Thursday, January 5, 2012

(أعداء الأسلام)



المقدمة

رأيت فيما سبق أن أبا بكر يكره للصحابة كثرة الرواية ، وأن عمر رهبهم منها ، خشية أن يكذب على رسول الله عليه وسلم ، وخشية أن يصدهم ذلك عن الاشتغال بالقراءن ، فلما فتحت الممالك ، وتفرق الصحابة في الامصار، وتجددت للناس حاجات اضطروا أن يبحثوا عن أحكامها ، ولا ملجأ لهم إلا الصحابة ومن أخذ عنهم من كبار التابعين – مست الحاجة إلى أن يخرح هؤلاء الصحابة للناس ما عندهم من العلم ويفتوهم بالسنة: إذ كانت أوسع مصادر الفقه ، وأهمها لتعرضهم للتفصيل. ولم يكن هؤلاء الصحابة يحيطون علما بكل ماقاله النبى صلى الله عليه وسلم فعله ، بل كان منهم من صحب النبى فى بعض الأوقات دون بعض ،  حين لم يصحبه علم حمله غيره ، لذلك حمل كل منهم شيئا ، وغاب عنه شئ ، وكان منهم المكثرون والمقلون ، وقد عدوا من المكثرين الذين زادت أحاديثهم على الألف سنة وهم:- أبو هريرة ، وجابر الانصارى ، وعبدالله بن عمر، وعبد الله بن عباس ، وأنس بن مالك ، وعائشة بنت أبى بكر الصديق ، وتقدم أن سبب إكثارهم يرجع إلى أمور ثلاثة مجتمعة:   
الأول – طول أعمارهم ، ومسيس الحاجة إلى استخراج ما عندهم من العلم.     
 الثانى- طول الصحبة وكثرة الملازمة للني صلي الله عليه سلم كما فى أنس ، وعائشة ، وأبى     هريرة.                                                                                       
الثالث: التوتر على جمع آثار النى صلى الله عليه وسلم وحفظ حديثه كما فى ابن عباس ، ابن عمر ، وأبى هريرة ، فقد كانوا يتلمسون أحاديث الرسول حيث كانت ، ويجمعونها ، فلم يكن كل ما حدثوا به مسموعا لهم منه الله عليه وسلم ، بل كان منه ماسمعوه من كبار الصحابة.                    
                                                              
ظهور الوضاعين
نشأ من عدم تدوين الحديث ، اكتفاء الصحابة باعتماد على الذاكرة. ان وجد أعداء الاسلام الذين غلبوا على أمرهم من اليهود والفرس والروم منفذا يدسون منه على المسلمين ما يفسد دينهم ، لينسنى لهم قلب الدولة الاسلامية ، واسترجاع ما فقدوا من عز وسلطان. لم يجدوا وقد سدت في وجوههم أبواب الكتاب إلا أن يلجوا على المسلمين من باب السنة الفسيح. من اول المحاؤلات لاختراق الفكر الاسلامي كانت عمليّات دسّ الأحاديث. فقد عمد أعداء الاسلام اِلى الاحاديث النبوية يدسون فيها أحاديث مكذوبة لم يقلم الرسول- صلى الله عليه وسلم- ولكنّهم زوروها وضمنوها معاني غير اِسلامية ومفاهيم تناقض الاسلام حتى يأخذها المسلمون ويعملوا بما فيها فيبعدوا عن الاسلام. وبالفعل كذبوا على الرسول – صلى الله عليه وسلم- أحاديث وأشاعوها بين الناس. ثم كثر  الوضع كثرة مزعجة مروعة بتصدع الاحدة الاسلامية وظهور الفرق الدينية،فاستباح الشيعة لأنفسهم أن يضعوا الأحاديث تؤيد ماذهوا إليه ، وكثرت بعد ذلك.                         
                                                        
الأسباب التي حملت الوضاع على الوضع

قد ظهر بما قدمنا بعض الأسباب التي حملت الوضاع على الوضع ، إنا نجملها فيها يلي:
١- العداوة الدينية.
۲- التعصب المذهبى.
۳- متابعة بعض من يتسمون بسمة العلم لهوى الأمراء والخلفاء يضعون لهم ما يعجبهم ، رغبة فيما فى أيديهم.
٤- تساهل بعضهم فى باب الفضائل والترغيب والترهيب.
٥- تغالى بعض الناس في أنهم لا يقلبون إلا الكتاب والسنة.

نهضة العلماء لمقاومة الوضاعين
قد كان ظهور الوضاعين مما حفز العلماء، وشخذهممهم لمقلمتهم دفاعا عن الشريعة. غير أن المسلمين فطنوا لهؤلاء وقضوا على مؤامرتهم وصيانة للدين ، فتصدى أعلام الأئمة للتمحيص والتنقيب ونبذ الزائف ، وتحقيق الحق ، ومن ذلك الوقت تكون ما يسمى بعلم الحرج والتعديل. أجهد أئمة هذا العلم أنفسهم ، وتعقبوا الوضاعين ، وفضحوا عملتهم ، وحذوا من كل واحد باسمه ، ولم يقلبوا شيئا مما حدثوا به ، وبينوا أعيان الأحاديث التى وضعوها ، والأغراض التى حملتهم على ذلك حتى سلم الله الشريعة من  كيدهم. فهب العلماء ورواة الحديث يجتمعون الحديث ويضعون تاريخ رواته وأوصافهم ويبينون الحديث الصحيح من الضعيف من المكذوب حتى حفظ الحديث ، وحصر الرواة وعرف كل واحد منهم  ، وبينت طبقات كتب الحديث ، حتى أصبح بإمكان  يأخذها المسلم إذ تتبع الحديث أن يعرف صحته من ضعفه أو كذب ، بمعرفه سنده ومته. وفوق ذلك فإن الدولة الإسلامية ضربت علي يد هؤلاء الزنادقة بيد من حديد ، حتى كان جزاء الكثيرين منهم القتل جزاء على افترائهم  الأحاديث على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وبذلك لم يكن لهذه المؤامرة على الإسلام ولا على ثقافته أثر يذكر. ولكن الخطر داهم 
الثقافة الإسلامية من طريق اخر.           
                                                   
أثر الوضع في التشريع
ويتضح لنا مما تقدم أن الوضاعين وإن لم يبلغوا مأربهم من الدين لمناهضة العلماء لهم ومقاومتهم إيا هم: إلا أنهم قبحهم الله وضعوا الشوك فى طريق الفقهاء المستنبطين مما عرقل سيرهم وجعله بطيئا وعسيرا ، فبعد أن كان الفقيه لا يشغله  شاغل بعد سماع الحديث عن النظر فيه والاستنتاع منه وهو واثق مطمئن ، أصبح واجبا عليه أن يعنى قبل كل شىء ببحث الحديث متنا واسنادا ، والتثبت من صحتهما ، حتى إذا تبددت غياهب الشك حل له أن ينظر ويستنبط ، فلا يبلغ ما يروم إلا بعد جهد ومشقة وطول عناء.                              
حديث ذلك حين بدأ الاحتكاك الفكري بالشعوب التي فتح المسلمون بلادها ، من روميّة نصرانيّة وفارسيّة وهنديّة وقبطيّة وغيرها. وكانت تلك الشعوب تحمل قبل الفتح الإسلامي ثقافات وأفكارا عمقية الأثر في نفوسهم. وكان على المسلمين أن يشمروا عن سواعدهم لخوض صراع فكري مع هؤلاء حتى يوصلوا إليهم الاسلام. فالفتوحات الإسلامية إنما شرعت لهذا السبب ، وكان كل فتح يعقبه انتشار للعلماء والدعاة حتى يدخل الناس في دين الله أفواجا. فخاض بعضهم غمار مجادلة اهل الكتاب الذين كانوا ينتشرون في بلاد الشام وشمال إفريقية وبعض العرق ، وخاض بعضهم غمار مجادلة المجوس الفارسيين وبعضهم جادل الوثنيين من هنود وصينيين وغيرهم. ( نشوء الحضارة الإسلامية ١/۲٨٦ )                                 

مراجع الكتاب
إدريس بن عبد الله ، النصوص العربية والحضارة الإسلامية. قسم الدراسات العربية والحضارة الإسلامية الجامعة الوطنية الماليزية.
محمد علي السايس، تاريخ الفقه الاسلامي، الجامعة الازهرية القاهرة، مكتبة ومطبعة محمد علي صبيح، تنفا تاريخ.

عبد اللطيف محمد السبكي،تاريخ التشريع الاسلامية مطبعة الشرف الاسلامية القاهرة، 1357 هجرة/1939 م.